فصل: قصة سليمان بن داود عليهما السلام:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.كيفية حياته وكيفية وفاته عليه السلام:

قد تقدم في ذكر الأحاديث الواردة في خلق آدم أن الله لما استخرج ذريته من ظهره فرأى فيهم الأنبياء عليهم السلام ورأى فيهم رجلا يزهر فقال أي رب من هذا قال هذا ابنك داود قال أي رب كم عمره قال ستون عاما قال أي رب زد في عمره قال لا الا أن أزيده من عمرك وكان عمر آدم ألف عام فزاده أربعين عاما فلما انقضى عمر آدم جاءه ملك الموت فقال بقي من عمري أربعون سنة ونسي آدم ما كان وهبه لولده داود فأتمها الله لآدم الف سنة ولداود مائة سنة رواه أحمد عن ابن عباس والترمذي وصححه عن أبي هريرة وابن خزيمة وابن حبان وقال الحاكم على شرط مسلم وقد تقدم ذكر طرقه والفاظه في قصة آدم قال ابن جرير وقد زعم بعض أهل الكتاب أن عمر داود كان سبعا وسبعين سنة قلت هذا غلط مردود عليهم قالوا وكان مدة ملكه أربعين سنة وهذا قد يقبل نقله لأنه ليس عندنا ما ينافيه ولا ما يقتضيه.
وأما وفاته عليه السلام فقال الإمام أحمد في مسنده حدثنا قبيصة حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن بن محمد بن عمرو بن أبي عمرو عن المطلب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كان داود عليه السلام فيه غيرة شديدة فكان إذا خرج أغلق الأبواب فلم يدخل على أهله أحد حتى يرجع قال فخرج ذات يوم وغلقت الدار فأقبلت امرأته تطلع إلى الدار فإذا رجل قائم وسط الدار فقالت لمن في البيت من أين دخل هذا الرجل والدار مغلقة والله لنفتضحن بداود فجاء داود فإذا الرجل قائم في وسط الدار فقاله له داود من أنت قال أنا الذي لا أهاب الملوك ولا أمنع من الحجاب فقال داود أنت والله إذن ملك الموت مرحبا بأمر الله ثم مكث حتى قبضت روحه فلما غسل وكفن وفرغ من شأنه طلعت عليه الشمس فقال سليمان للطير أظلي على داود فأظلته الطير حتى أظلمت عليه الأرض فقال سليمان للطير اقبضي جناحا قال قال أبو هريرة فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يرينا كيف فعلت الطير وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وغلبت عليه يومئذ المضرحية انفرد بإخراجه الإمام أحمد وإسناده جيد قوي رجاله ثقات ومعنى قوله وغلبت عليه يومئذ المضرحية أي وغلبت على التظليل عليه الصقور الطوال الأجنحة وأحدها مضرحي قال الجوهري وهو الصقر الطويل الجناح وقال السدي عن أبي مالك عن ابن عباس قال مات داود عليه السلام فجأة وكان بسبت وكانت الطير تظله وقال السدي أيضا عن أبي مالك وعن سعيد بن جبير قال مات داود عليه السلام يوم السبت فجأة وقال إسحاق بن بشر عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن قال مات داود عليه السلام وهو ابن مائة سنة ومات يوم الأربعاء فجأة وقال أبو السكن الهجري مات إبراهيم الخليل فجأة وداود فجأة وابنه سليمان فجأة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين رواه ابن عساكر وروى عن بعضهم أن ملك الموت جاءه وهو نازل من محرابه فقال له دعني انزل أو أصعد فقال يا نبي الله قد نفذت السنون والشهور والآثار والأرزاق قال فخر ساجدا على مرقاة من تلك المراقي فقبضه وهو ساجد وقال إسحاق بن بشر أنبأنا وافر بن سليمان عن أبي سليمان الفلسطيني عن وهب بن منبه قال إن الناس حضروا جنازة داود عليه السلام فجلسوا في الشمس في يوم صائف قال وكان قد شيع جنازته يومئذ أربعون ألف راهب عليهم البرانس سوى غيرهم من الناس ولم يمت في بني إسرائيل بعد موسى وهارون أحد كانت بنو إسرائيل أشد جزعا عليه منهم على داود قال فآذاهم الحر فنادوا سليمان عليه السلام ان يعمل لهم وقاية لما أصابهم من الحر فخرج سليمان فنادى الطير فأجابت فأمرها أن تظل الناس فتراص بعضهم إلى بعض من كل وجه حتى استمسكت الريح فكاد الناس أن يهلكوا غما فصاحوا إلى سليمان عليه السلام من الغم فخرج سليمان فنادى الطير ان أظلي الناس من ناحية الشمس وتنحي عن ناحية الريح فعلت فكان الناس في ظل وتهب عليهم الريح فكان ذلك أول ما رأوه من ملك سليمان وقال الحافظ أبو يعلى حدثنا أبو همام الوليد بن شجاع حدثني الوليد بن مسلم عن الهيثم بن حميد عن الوضين بن عطاء عن نصر بن علقمة عن جبير بن نفير عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد قبض الله داود من بين أصحابه ما فتنوا ولا بدلوا ولقد مكث اصحاب المسيح على سننه وهديه مائتي سنة» هذا حديث غريب وفي رفع نظر والوضين بن عطاء كان ضعيفا في الحديث والله اعلم.

.قصة سليمان بن داود عليهما السلام:

قال الحافظ بن عساكر هو سليمان بن داود بن ايشا بن عويد بن عابر بن سلمون بن نحشون بن عمينا داب بن إرم بن حصرون بن فارص بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم أبي الربيع نبي الله بن نبي الله جاء في بعض الآثار انه دخل دمشق قال ابن ماكولا فارص بالصاد المهملة وذكر نسبه قريبا مما ذكره ابن عساكر قال الله تعالى وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين أي ورثه في النبوة والملك وليس المراد ورثه في المال لأنه قد كان له بنون غيره فما كان ليخص بالمال دونهم وأنه قد ثبت في الصحاح من غير وجه عن جماعة من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نورث ما تركنا فهو صدقة» وفي لفظ «نحن معاشر الأنبياء لا نورث» فأخبر الصادق المصدوق أن الأنبياء لا تورث أموالهم عنهم كما يورث غيرهم بل يكون أموالهم صدقة من بعدهم على الفقراء والمحاويج لا يخصون بها أقرباؤهم لأن الدنيا كانت أهون عليهم وأحقر عندهم من ذلك كما هي عند الذي أرسلهم واصطفاهم وفضلهم وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير الآية يعني أنه عليه السلام كان يعرف ما يتخاطب به الطيور بلغاتها ويعبر للناس عن مقاصدها وارادتها وقد قال الحافظ أبو بكر البيهقي أنبأنا أبو عبد الله الحافظ أنبأنا على بن حشاد حدثنا إسمعيل بن قتيبة حدثنا على بن قدامة حدثنا أبو جعفر الاسواني يعني محمد بن عبد الرحمن عن أبي يعقوب العمي حدثني أبو مالك قال مر سليمان بن داود بعصفور يدور حول عصفورة فقال لأصحابه أتدرون ما يقول قالوا وما يقول يا نبي الله قال يخطبها إلى نفسه ويقول زوجيني أسكنك أي غرف دمشق شئت قال سليمان عليه السلام لأن غرف دمشق مبنية بالصخر لا يقدر أن يسكنها أحد ولَكِن كل خاطب كذاب. رواه ابن عساكر عن أبي القاسم زاهر بن طاهر عن البيهقي به وكذلك ما عداها من الحيوانات وسائر صنوف المخلوقات والدليل على هذا قوله بعد هذا من الآيات {وأوتينا من كل شيء} أي من كل ما يحتاج الملك إليه من العدد والآلات والجنود والجيوش والجماعات من الجن والإنس والطيور والوحوش والشياطين السارحات والعلوم والفهوم والتعبير عن ضمائر المخلوقات من النطقات والصامتات ثم قال: {إن هذا لهو الفضل المبين} أي من بارىء البريات وخالق الأرض والسموات كما قال تعالى: {وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون حتى إذا أتوا على وادي النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني ان أشكر نعمتك التي انعمت على وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين}.
يخبر تعالى عن عبده ونبيه وابن نبيه سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام أنه ركب يوما في جيشه جميعه من الجن والإنس والطير فالجن والإنس يسيرون معه والطير سائرة معه تظله بأجنحتها من الحر وغيره وعلى كل من هذه الجيوش الثلاثة وزعة أي نقباء يردون أوله على آخره فلا يتقدم أحد عن موضعه الذي يسير فيه ولا يتأخر عنه قال الله تعالى حتى إذا أتوا على وداي النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون فأمرت وحذرت واعذرت عن سليمان وجنوده بعدم الشعور وقد ذكر وهب أنه مر وهو على البساط بواد بالطائف وأن هذه النملة كان اسمها جرسا وكانت من قبيلة يقال لهم بنو الشيصبيان وكانت عرجاء وكانت بقدر الذئب وفي هذا كله نظر بل في هذا السياق دليل على أنه كان في موكبه راكبا في خيوله وفرسانه لا كما زعم بعضهم من أنه كان إذ ذاك على البساط لأنه لو كان كذلك لم ينل النمل منه شيء ولا وطء لأن البساط كان عليه جميع ما يحتاجون إليه من الجيوش والخيول والجمال والاثقال والخيام والأنعام والطير من فوق ذلك كله كما سنبينه بعد ذلك إن شاء الله تعالى.
والمقصود أن سليمان عليه السلام فهم ما خاطبت به تلك النملة لامتها من الرأي السديد والأمر الحميد وتبسم من ذلك على وجه الاستبشار والفرح والسرور بما أطلعه الله عليه دون غيره وليس كما يقوله بعض الجهلة من أن الدواب كانت تنطق قبل سليمان وتخاطب الناس حتى أخذ عليهم سليمان بن داود العهد وألجمها فلم تتكلم مع الناس بعد ذلك فإن هذا لا يقوله إلا الذين لا يعلمون ولو كان هذا هكذا لم يكن لسليمان في فهم لغاتها مزية على غيره إذ قد كان الناس كلهم يفهمون ذلك ولو كان قد أخذ عليها العهد أن لا تتكلم مع غيره وكان هو يفهمها لم يكن في هذا أيضا فائدة يعول عليها ولهذا قال: {رب أوزعني} أي ألهمني وأرشدني {أن أشكر نعمتك التي أنعمت على وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين} فطلب من الله أن يقيضه للشكر على ما أنعم به عليه وعلى ما خصه به من المزية على غيره وأن ييسر عليه العمل الصالح وأن يحشره إذا توفاه مع عباده الصاحين وقد استجاب الله تعالى له والمراد بوالديه داود عليه السلام وأمه وكانت من العابدات الصالحات كما قال سنيد بن داود عن يوسف بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قالت أم سليمان بن داود يا بني لا تكثر النوم بالليل فإن كثرة النوم بالليل تدع العبد فقيرا يوم القيامة» رواه ابن ماجة عن أربعة من مشايخه عنه به نحوه.
وقال عبدالرزاق عن معمر عن الزهري أن سليمان بن داود عليه السلام خرج هو وأصحابه يستسقون فرأى نملة قائمة رافعة احدى قوائمها تستسقي فقال لأصحابه ارجعوا فقد سقيتم إن هذه النملة استسقت فاستجيب لها قال ابن عساكر وقد روي مرفوعا ولم يذكر فيه سليمان ثم ساقه من طريق محمد بن عزيز عن سلامة بن روح بن خالد عن عقيل عن ابن شهاب حدثني أبو سلمة عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «خرج نبي من الأنبياء بالناس يستسقون الله فإذا هم بنملة رافعة بعض قوائمها إلى السماء فقال النبي ارجعوا فقد استجيب لكم من أجل هذه النملة وقال السدي أصاب الناس قحط على عهد سليمان عليه السلام فأمر الناس فخرجوا فإذا بنملة قائمة على رجليها باسطة يديها وهي تقول اللهم إنا خلق من خلقك ولا غناء بنا عن فضلك قال فصب الله عليهم المطر».
قال تعالى: {وتفقد الطير فقال مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات والأرض ويعلم ما يخفون وما تعلنون الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين إذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلى كتاب كريم إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا على وأتوني مسلمين قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون قالوا نحن أولوا قوة وأولوا بأس شديد والإمر إليك فانظري ماذا تأمرين قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا اعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بما يرجع المرسلون فلما جاء سليمان قال أتمدونن بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون} يذكر تعالى ما كان من أمر سليمان والهدهد وذلك أن الطيور كان على كل صنف منها مقدمون يقدمون بما يطلب منهم ويحضرون عنده بالنوبة كما هي عادة الجنود مع الملوك وكانت وظيفة الهدهد على ما ذكره ابن عباس وغيره انهم كانوا إذا اعوزوا الماء في القفار في حال الأسفار يجيء فينظر له هل بهذه البقاع من ماء وفيه من القوة التي اودعها الله تعالى فيه أن ينظر إلى الماء تحت تخوم الأرض فإذا دلهم عليه حفروا عنه واستنبطوه وأخرجوه واستعملوه لحاجتهم فلما تطلبه سليمان عليه السلام ذات يوم فقده ولم يجده في موضعه من محل خدمته فقال: {ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين} أي ماله مفقود من هاهنا أو قد غاب عن بصري فلا أراه بحضرتي {لأعذبنه عذابا شديدا} توعده بنوع من العذاب اختلف المفسرون فيه والمقصود حاصل على كل تقدير {أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين} أي بحجة تنجيه من هذه الورطة قال الله تعالى {فمكث غير بعيد} أي فغاب الهدهد غيبة ليست بطويلة ثم قدم منها فقال لسليمان {أحطت بما لم تحط به} أي اطلعت على ما لم تطلع عليه {وجئتك من سبأ بنبأ يقين} أي بخبر صادق {إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم} يذكر ما كان عليه ملوك سبأ في بلاد اليمن من المملكة العظيمة والتبابعة المتوجين وكان الملك قد آل في ذلك الزمان إلى امرأة منهم ابنة ملكهم لم يخلف غيرها فملكوها عليهم.
وذكر الثعلبي وغيره أن قومها ملكوا عليهم بعد أبيها رجلا فعم به الفساد فأرسلت إليه تخطبه فتزوجها فلما دخلت عليه سقته خمرا ثم حزت رأسه ونصبته على بابها فأقبل الناس عليها وملكوها عليهم وهي بلقيس بنت السيرح وهو الهدهاد وقيل شراحيل بن ذي جدن بن السيرح بن الحرث بن قيس بن صيفي بن سبابن يشجب بن يعرب بن قحطان وكان أبوها من أكابر الملوك وكان يأبى أن يتزوج من أهل اليمن فيقال إنه تزوج بامرأة من الجن اسمها ريحانة بنت السكن فولدت له هذه المرأة واسمها تلقمة ويقال لها بلقيس وقد روى الثعلبي من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كان أحد أبوي بلقيس جنيا» وهذا حديث غريب وفي سنده ضعف.